الهمّة العالية في حياة المعلّم
الهمّة العالية في حياة المعلّم
بقلم: الأستاذة ريتا فبريانتا
معلّمة العربيّة في جامعة الشّيخ جميل جمبيك الإسلاميّة بوكيت تنجي
إنَّ العلم كالينابيع، يغشاهنَّ النَّاس، فيختلجُه هذا وهذا، فينفع الله به غير واحد، وإن حكمةً لا يُتكلم بها، كجسدٍ لا روح فيه، وإنَّ علمًا لا يخرج، ككنزٍ لا يُنفَقُ منه، وإنما مثل العَالِمِ، كمثل رجلٍ حَمَلَ سِراجا في طريقٍ مظلمٍ يستضيء به مَنْ مَرَّ بِهِ، وكلٌ يدعو له بالخير. هذه الرّسالة كتبها سلمان الفارسي إلى أبي الدّرداء رضي الله عنهما في سنن الدّرامي: رقم ٥٥٧
وقال سفيان الثّوري رحمه الله تعالى لرجل من العرب: ويحكم اطلبوا العلم فإنّي أخاف أن يخرج العلم من عندكم فيصير إلى غيركم فتذلّون. اطلبوا العلم فإنّه شرف في الدّنيا وشرف في الآخرة. (جامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البرّ:ص ٦٨ هؤلاء الذين كانوا يبذلون الغالي والنّفيس في تعليم النّاس ويصبرون على الشّدائد والمكاره ويجدُّون السّير بلا كلٍّ ولا ملل، ابتغاء مرضاة الله عزّ وجلّ، وكانوا يتنافسون ويتبادرون بصدق العزيمة وعلوّ الهمّة حتّى شيّدوا حضارة شامخة أضاءت الدنيا وأشرقت بها شمس الحضارة على الأرض زمنًا طويلا.
لا شك أنّ التّعليم مهمّة عظيمةٌ تتطلَّبُ همَّةً كبيرةً وعزيمةً صادقةً، فهو بمثابة بناء أمةٍ وإعدادها. من النَّاس مَنْ نظر إلى التّعليم باعتباره وسيلةً للكسب المادي فَحَسْب، أي تخلى من التّكليف والتّشريف، وهذا يخالف رسالة التعليم السامية، التي من أجلها نشأ.
والمعلِّم صاحب الهمة العالية شخصية إيجابية في حياته، فهو يترك أثرًا جيدًا حيثما ذهب، ويُخَلِّدُ ذكرياتٍ طيبةٍ في ذاكرة طلابه؛ والطالب الذي احتفظت ذاكرته بذكرياتٍ جميلة، واحتفظت نفسه بأثرٍ طيِّبٍ في مرحلة التعلُّم، يهدي لمعلمه من الحسنات ما تبقى ببقاء الطالب على قيد الحياة.
لنتأمل قول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: وإنّ العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض، والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب. وفي رواية: إنّ الله وملائكته وأهل السّموات والأرضين حتّى النّملة في حجرها، وحتّى الحوت ليصلّون على معلّم النّاس الخير. (رواه التّرمذي -رقم ٢٨٢٥ مع تحفة الأحوذي).
وقديمًا قال أمير الشعراء، أحمد شوقي:
قُــمْ لِلْــمُــعَــلِّــمِ وَفِّــهِ الــتَّــبْــجِــيــلَا *** كَـــادَ الْــمُــعَــلِّــمُ أَنْ يَــكُــونَ رَسُــولَا
أَعَــلِــمْــتَ أَشْـرَفَ أَوْ أَجَـلَّ مِـنَ الَّـــــذِي *** يَــبْــنِــي وَيُـنْـشِـئُ أَنْـفُـسًـا وَعُـقُـولَا؟
فَــهُـوَ الَّـذِي يَـبْـنِـي الـطِّـبَـاعَ قَـوِيـمَــةً*** وَهُــوَ الَّــذِي يَـبْـنِـي الـنُّـفُـوسَ عُـدُولَا
فإذا تخلَّى المعلم عن رسالته الحقيقية، وتهاون في أدائها، وغلبته أطماعه الدنيوية، ضاعت النشء وضاعت الأمة بضياع النشء.
نسأل الله العليم القدير أن يشغلنا بمحبّته والتّقرّب إليه والسّعي لمرضاته ويقوي عزائمنا لبلوغ جنّته